فصل: تفسير الآية رقم (67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (63):

{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)}
{قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظلمات البر والبحر} أي قل لهم تقريرًا بانحطاط شركائهم عن رتبة الإلهية، والمراد من ظلمات البر والبحر كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شدائدهما وأهوالهما التي تبطل الحواس وتدهش العقول. والعرب كما قال الزجاج تقول لليوم الذي يلقى فيه شدة يوم مظلم حتى أنهم يقولون: يوم ذو كواكب أي أنه يوم قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل في ظلمته، وأنشد:
بني أسد هل تعلمون بلاءنا ** إذاكان يوم ذو كواكب أشهب

ومن الأمثال القديمة رأى الكواكب ظهرًا أي أظلم عليه يومه لاشتداد الأمر فيه حتى كأنه أبصر النجم نهارًا، ومن ذلك قول طرفة:
إن تنوله فقد تمنعه ** وتريه النجم يجري بالظهر

وقيل: المراد ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة البحر، وقيل: ظلمة البر بالخسف فيه وظلمة البحر بالغرق فيه، والظلمات على الأول: كما قيل استعارة وعلى الأخيرين حقيقة. ومنهم من جعلها كناية عن الخسف والغرق والكلام في الكناية معلوم. ومن جوز جمع الحقيقة والمجاز فسر الظلمات بظلمة الليل والغيم والبحر والتيه والخوف وقرأ يعقوب وسهل {يُنَجّيكُمْ} بالتخفيف من الإنجاء والمعنى واحد.
وقوله تعالى: {تَدْعُونَهُ} في موضع الحال من مفعول {يُنَجّيكُمْ} كما قال أبو البقاء، والضمير لمن أي من ينجيكم منها حال كونكم داعين له. وجوز أن يكون حالًا من فاعله أي من ينجيكم منها حال كونه مدعوًا من جهتكم {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي إعلانًا وسرارًا كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن فنصبهما على المصدرية، وقيل: بنزع الخافض، والإعلان والاسرار يحتمل أن يراد بهما ما باللسان ويحتمل أن يراد بهما ما باللسان والقلب، وجوز أن يكونا منصوبين على الحال من فاعل {تَدْعُونَ} أي معلنين ومسرين. وقرأ أبو بكر عن عاصم {خفية} بكسر الخاء وهو لغة فيه كالأسوة والإسوة.
وقوله سبحانه: {وَخُفْيَةً لَّئِنْ أنجانا} في محل النصب على المفعولية لقول مقدر وقع حالًا من فاعل {تدعون} أيضًا أي قائلين: لئن أنجيتنا، والكوفيون يحكون بما يدل على معنى القول كتدعون من غير تقدير والصحيح التقدير، وقيل: إن الجملة القسمية تفسير للدعاء فلا محل لها. وقرأ أهل الكوفة {أنجانا} بلفظ الغيبة مراعاة لتدعونه دون حكاية خطابهم في حالة الدعاء غير أن عاصمًا قرأ بالتفخيم والباقون بالأمالة، وقوله سبحانه: {مِنْ هذه} إشارة إلى ما هم فيها المعبر عنها بالظلمات {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} أي الراسخين في الشكر المداومين عليه لأجل هذه النعمة الجليلة أو جميع النعم التي هذه من جملتها.

.تفسير الآية رقم (64):

{قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}
{قُلِ الله يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ} أي غم يأخذ بالنفس، والمراد به إما ما يعم ما تقدم والتعميم بعد التخصيص كثير أو ما يعتري المرء من العوارض النفسية التي لا تتناهى كالأمراض والأسقام، وأمره صلى الله عليه وسلم بالجواب مع كونه من وظائفهم للإيذان بظهوره وتعينه أو للإهانة لهم مع بناء قوله سبحانه: {ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} عليه أي الله تعالى وحده ينجيكم مما تدعونه إلى كشفه ومن غيره ثم أنتم بعدما تشاهدون هذه النعم الجليلة تعودون إلى الشرك في عبادته سبحانه ولا توفون بالعهد. ووضع {تُشْرِكُونَ} موضع لا تشكرون الذي هو الظاهر المناسب لوعدهم السابق المشار إليه بقوله تعالى: {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} [الأنعام؛ 63] للتنبيه على أن من أشرك في عبادة الله تعالى فكأنه لم يعبده رأسًا إذ التوحيد ملاك الأمر وأساس العبادة، وقيل: لعل المقصود التوبيخ بأنهم مع علمهم بأنه لم ينجهم إلا الله تعالى كما أفاده تقديم المسند إليه أشركوا ولم يخصوا الله تعالى بالعبادة فذكر الإشراك في موقعه، وكلمة ثم ليس للتراخي الزماني بل لكمال البعد بين إحسان الله تعالى عليهم وعصيانهم، ولم يذكر متعلق الشرك لتنزيله منزلة اللازم تنبيهًا على استبعاد الشرك في نفسه. وقرأ أهل الكوفة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر {يُنَجّيكُمْ} بالتشديد والباقون بالتخفيف.

.تفسير الآية رقم (65):

{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)}
{قُلْ} يا محمد لهؤلاء الكفار {هُوَ القادر} لا غيره سبحانه: {على أَن يَبْعَثَ} أي يرسل {عَلَيْكُمْ} متعلق بيبعث. وتقديمه على المفعول الصريح وهو قوله سبحانه: {عَذَابًا} للاعتناء به والمسارعة إلى بيان كون المبعوث مما يضرهم ولتهويل أمر المؤخر، والكلام استئناف مسوق لبيان أنه تعالى هو القادر على إلقائهم في المهالك إثر بيان أنه سبحانه هو المنجى لهم منها، وفيه وعيد ضمني بالعذاب لإشراكهم المذكور، والتنوين للتفخيم أي عذابًا عظيمًا.
{مّن فَوْقِكُمْ} أي من جهة العلو كالصيحة والحجارة والريح وإرسال السماء {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} أي من جهة السفل كالرجفة والخسف والإغراق، وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: من فوقكم أي من قبل أمرائكم وأشرافكم ومن تحت أرجلكم أي من قبل سفلتكم وعبيدكم. وفي رواية أخرى عنه تفسير الأول بأئمة السوء والثاني بخدم السوء والمتبادر ما قدمنا وهو المروي عن غير واحد من المفسرين. والجار والمجرور متعلق بيبعث أيضًا، ويجوز أن يكون متعلقًا حذوف وقع صفة لعذاب. و{أو} لمنع الخلو دون الجمع فلا منع لما كان من الجهتين معًا كما فعل بقوم نوح عليه الصلاة والسلام.
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ} أي يخلط أمركم عليكم ففي الكلام مقدر، وخلط أمرهم عليهم بجعلهم مختلفي الأهواء، وقيل: المراد اختلاط الناس في القتال بعضهم ببعض فلا تقدير، وعليه قول السلمي:
وكتيبة لبستها بكتيبة ** حتى إذا التبست نفضت لها يدي

وقرئ {يَلْبِسَكُمْ} بضم الياء وهو عطف على {يَبْعَثَ} وقوله تعالى: {شِيَعًا} جمع شيعة كسدرة وسدر وهم كل قوم اجتمعوا على أمر نصب على الحال، وقيل: إنه مصدر منصوب بيلبسكم من غير لفظه، وجوز على هذا أن يكون حالًا أيضًا أي مختلفين.
وقوله سبحانه: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} عطف على {يَبْعَثَ} كما نقل عن السمين، ويفهم من كلام البعض أنه عطف على يلبس وهو من قبيل عطف التفسير أو من عطف المسبب على السبب. وقرئ {نذيق} بنون العظمة على طريق الالتفات لتهويل الأمر والمبالغة في التحذير. والبعض الأول على ما قيل الكفار والثاني المؤمنون ففيه حينئذ وعد ووعيد، وقيل: كلا البعضين من الكفار أي نذيق كلًا بأس الآخر؛ وقيل البعضان من المؤمنين فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال في قوله سبحانه: {عَلَيْكُمْ عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} هذا للمشركين وفي قوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ} إلخ هذا للمسلمين ولا يخفى أنه تفكيك للنظم الكريم، ولعل مراد الحسن أن هذا يكون للمسلمين ويقع فيهم دون الأول، وأخرج ابن جرير عنه أيضًا أنه قال: «لما نزلت هذه الآية قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ فسأل ربه عز وجل أن لا يرسل عليهم عذابًا من فوقهم أو من تحت أرجلهم ولا يلبس أمته شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض كما أذاق بني إسرائيل فهبط إليه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنك سألت ربك أربعًا فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين لن يأتيهم عذاب من فوقهم ولا من تحت أرجلهم يستأصلهم فإنهما عذابان لكل أمة استجمعت على تكذيب نبيها ورد كتاب ربها ولكنهم يلبسون شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض، وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتب والتصديق بالأنبياء عليهم السلام» وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه واللفظ له عن ثوبان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن ربي زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطاني الكنزين الأحمر والأبيض وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها وقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لم يرد إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكها بسنة عامة ولا أظهر عليهم عدوًا من غيرهم فيستبيحهم عامة ولو اجتمع من بين أقطارها حتى يكون بعضهم هو يهلك بعضًا وبعضهم هو يسبي بعضًا» الحديث.
وأخرج أحمد والطبراني وغيرهما عن أبي بصرة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة سألت الله تعالى أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها وسألت الله تعالى أن لا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها وسألت الله تعالى أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلكت الأمم فأعطانيها وسألت الله تعالى أن لا يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها» والأخبار في هذا المعنى كثيرة. وفي بعضها دلالة على عد اللبس والإذاقة أمرًا واحدًا وفي بعضها دلالة على عد ذلك أمرين، ومن هنا نشأ الاختلاف السابق في العطف، وأيد بعضهم العطف على يلبس لا على {يَبْعَثَ} بكونه بالواو دون أو. ولا يعارض ما روي عن الحسن من عدم وقوع الأولين في هذه الأمة ما أخرجه أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: أما أنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد، وكذا ما أخرج الأول في مسنده من طريق أبي العالية عن ابن كعب أنه قال في الآية: هن أربع وكلهن واقع لا محالة لجواز أن يراد بالوقوع وقوع لا على وجه الاستئصال وبعدم الوقوع عدمه على وجه الاستئصال وكلام الحسن كالصريح في هذا فافهم.
{انظر كَيْفَ نُصَرّفُ الايات} أي نُحَوِّلها من نوع آخر من أنواع الكلام تقريرًا للمعنى وتقريبًا إلى الفهم أو نصرفها بالوعد والوعيد {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} أي كي يعلموا جلية الأمر فيرجعوا عما هم عليه من المكابرة والعناد، واستدل بعض أهل السنة بالآية على أن الله تعالى خالق للخير والشر، «وقال بعض الحشوية والمقلدة: إنها من أدل الدلائل على المنع من النظر والاستدلال لما أن في ذلك فتح باب التفرق والاختلاف المذموم بحكم الآية» وليس بشيء كما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (66):

{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)}
{وَكَذَّبَ بِهِ} أي القرآن كما قال الأزهري وروي ذلك عن الحسن، وقيل: الضمير لتصريف الآيات، واختاره الجبائي والبلخي. وقيل: هو للعذاب واختاره غالب المفسرين {قَوْمِكَ} أي قريش، وقيل: هم وسائر العرب، وأيًا ما كان فالمراد المعاندون منهم، قيل: ولعل إيرادهم بهذا العنوان للإيذان بكمال سوء حالهم فإن تكذيبهم بذلك مع كونهم من قومه عليه الصلاة والسلام مما يقضي بغاية عتوهم ومكابرتهم، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر مرارًا. {وَهُوَ الحق} أي الكتاب الصادق في كل ما نطق به لا ريب فيه أو المتحقق الدلالة أو الواقع لا محالة. والواو حالية والجملة بعدها في موضع الحال من الضمير المجرور، وقيل: الواو استئنافية وبعدها مستأنفة. وأيًا ما كان ففيه دلالة على عظم جنايتهم ونهاية قبحها.
{قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي وكل فوض أمركم إلى أحفظ أعمالكم لأجازيكم بها إنما أنا منذر ولم آل جهدًا في الإنذار والله سبحانه هو المجازي قاله الحسن. وقال الزجاج: المراد إني لم أومر بحربكم ومنعكم عن التكذيب وفي معناه ما نقل عن الجبائي. والآية على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما منسوخة بآية القتال ولا بعد في ذلك على المعنى الثاني.

.تفسير الآية رقم (67):

{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}
{لّكُلّ نَبَإٍ} أي لكل شيء ينبأ به من الأنباء التي من جملتها عذابكم أو لكل خبر من الأخبار التي من جملتها خبر مجيئه {مُّسْتَقِرٌّ} أي وقت استقرار ووقوع ألبتة أو وقت استقراره بوقوع مدلوله وليس مصدرًا ميميًا. {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي حال نبئكم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا، و{سوف} للتأكيد.